طارق بن زياد هذا البطل العظيم ليس من أصل عربي ، ولكنه من أهالي البربر الذين يسكنون بلاد المغرب العربي فهو بربري من قبيلة الصدف. وكانت مضارب خيام هذه القبيلة في جبال المغرب العالية. وهي قبيلة شديدة البأس، ديانتها وثنية.
إسلامه
لم يصل المسلمون إلى شمال أفريقيا إلا في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ، الذي وكّل موسى بن نصير مهمة فتح البلاد ونشر الاسلام في ربوعها.وقد دخلت القبائل الوثنية في الإسلام ، ومن بينها قبيلة طارق بن زياد، وقد نشأ مثلما ينشأ الأطفال المسلمون فتعلم القراءة والكتابة وحفظ سورًا من القرآن الكريم وبعضًا من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم- ثم ساعده حبه للجندية في أن يلتحق بجيش "موسى بن نصير" أمير "المغرب" وأن يشترك معه في الفتوح الإسلامية وأظهر شجاعة فائقة في القتال ومهارة كبيرة في القيادة لفتت أنظار" موسى بن نصير بشجاعته وقوته، ولهذا عهد إليه بفتح شمال أفريقيا . وحارب طارق المشركين ودخل الكثيرون منهم في الإسلام وتم أسر من لم يسلم منهم. وبعد هذا النجاح عينه موسى بن نصير واليا على طنجة.
فتح الأندلس حلم طارق الكبير
كان الحلم الأكبر الذي يراود طارق بن زياد هو اجتياز الماء إلى الجهة الأخرى واجتياح إسبانيا ، التي كانت تحت حكم ملك القوط لذريق. وكان حاكم سحبة يناصب لذريق هذا العداء، ولهذا قام بالاتصال بطارق بن زياد وموسى بن نصير وأخذ يحثهما على غزو إسبانيا مبديا استعداده لمساعدتهما. وبعد مراسلات مع الخليفة في الشام وافق الخليفة على ذلك جهز موسى بن نصير جيشًا من العرب والبربر يبلغ سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد فعبر البحر من ستبة في سفن [جوليان] ونزل بالبقعة الصخرية المقابلة التي لا تزال تحمل اسمه حتى اليوم وواصل سيره حتى وصل لمدينة قرطاجنة ثم زحف غربًا واستولى على المدن المحيطة بقرطاجنة ، وأقام قاعدة حربية لتكون نقطة انطلاق على باقي بلاد الأندلس. وقاد طارق بن زياد جيش المسلمين واجتاز المضيق الذي يفصل بين شمال أفريقيا وأوروبا، والذي أصبح يعرف فيما بعد باسمه (مضيق طارق بن زياد)، والتقى الجمعان بالقرب من نهر لكه. ووقف طارق بن زياد يومها أمام جنوده وألقى خطبته المشهورة:
"أيها الناس أين المفرّ؟ البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر.. وإني لم أحذِّركم أمراً أنا عنه بنجوة.. واعلموا إنكم إن صبرتم على الأشـقّ قليلاً استمتعتم بالأرفهِ الألذّ طويلاً .. وإن حملتُ فاحملوا وإن وقفت فقفوا. ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال. ألا وإني عامد إلى طاغيتهم بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أُقتَلَ دونه. فإن قتِلتُ فلا تهنوا ولا تحزنوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم وتولّوا الدبر لعدوّكم فتبدّدوا بين قتيل وأسير".
هجم المسلمون على جيش القوط فدبّ الرعب في قلوبهم. أما قائدهم لذريق فلمحه طارق بن زياد وصوّب رمحه نحوه وأرداه قتيلاً يتخبّط في دمائه التي صبغت لون النهر. وعندها صاح طارق بن زياد: "قتلت الطاغية.. قتلت لذريق".. وبعد هذه المعركة صارت الطريق ممهدة أمام المسلمين لفتح البلاد. وفتح طارق المدن الأسبانية واحدة تلو الأخرى . لكنه احتاج إلى المدد فكاتب موسى بن نصير قائلاً : "إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية فالغوث الغوث". سارع موسى بن نصير ووصل الأندلس على رأس جيش قوامه 18 ألف مقاتل من العرب والبربر وذلك سنة 712. واتحد الجيش مع جيش طارق بن زياد، حيث خاض الجيش الموحد معركة "وادي موسى" التي هزم المسلمون فيها جموع القوط ودانت لهم بعد هذا النصر الأندلس كلها.
طارق بن زياد بين فكي التاريخ
لطارق بن زياد فضل كبير في إخضاع القبائل البربرية في شمال أفريقيا وفي فتح الأندلس وهزم القوط في "معركة نهر لكه" و"معركة وادي موسى". وبالرغم من قلة جنده وشحّ المساعدات، وبالرغم من المصاعب التي واجهها في بلاد يدخلها لأوّل مرة، إلا انه استطاع فتح الأندلس وتحقيق الانتصار. إلا أن كل هذا لم يشفع له عند موسى بن نصير الذي ربما يكون قد توجه للأندلس عام 712 لا ليقدّم المساعدات لطارق بن زياد بعد رسالته إليه، وإنما لينسب فتح الأندلس لنفسه. لقد كان موسى بن نصير حاقداً على طارق لأنه تقدّم أكثر مما أراد وبدلاً من تهنئته قام بإهانته وتوبيخه ثم عزله وسجنه ولم يطلق سراحه إلا بعد تدخّل الخليفة الوليد
نهاية البطل
توجه طارق بن زياد بصحبة موسى بن نصير إلى دمشق ومعه أربعمائة من أفراد الأسرة المالكة وجموع من الأسرى والعبيد والعديد من النفائس. ولما وصلا طبريا في فلسطين، طلب منهما سليمان ولي العهد التأخّر حتى يموت الخليفة الوليد الذي كان يصارع الموت. لكنهما تابعا تقدّمهما ودخلا مع الغنائم إلى دمشق. وبسبب هذا غضب عليهما سليمان، لأنه كان يريد أن ينسب الفتح والغنائم لنفسه .. وعندما تولّى سليمان الخلافة ، عزل موسى وأولاده ، وقتل ابنه عبد العزيز بن موسى الذي شارك في فتح الأندلس . أما طارق بن زياد جالب النصر والغنائم فأهمِلَ وبقي بدون شأن ومات فقيراً سنة 720 م. حيث لقي ربه بعد أن كتب اسمه في صفحات التاريخ بحروف من نور.